الأحد، 9 مارس 2014

 جسد بلا روح

 كانت قريتنا قرية فقيرة بيوتها اغلبها طابق واحد مسقوف بالالواح الخشبية ولا يوجد بها من محلات سوي محلات البقالة فقط  كان هناك نوعا من الترابط بين اهلها وبقية من اخلاق قلما تجدها فيما يجاورها من قري ولكن في خلال الخمس سنوات الماضية او اقل قليلا بدأت مظاهر الثراء تعلن عن نفسها يوازيها انحدار في الاخلاق وانحلال الترابط بين  افراد البيت الواحد فتجد الاخ يقاتل ويقاطع  شقيقه من اجل قطعة ارض وتري الابن يصرخ في وجه ابيه لاتفه الاسباب وتري الاغنياء يتنافسون في بناء العمارات الشاهقة ذات التجهيزات الفاخرة علي احدث موضة لابناءهمم واحفادهم  الرضع أوالذين لم يأتوا بعد  وبدأ صراع البحث عن المال واصبحنا نعيش عصر جاهلية جديد فأصبحنا عبيدا للمال فأصبح المعلم يعطي دروسا لا ليساعد تلاميذه ولكن ليحصل علي المال سواء استفاد تلاميذه ام لا وتري المحامي يدافع عن شخص وهو يعلم انه ليس علي حق بحجة ان الجميع هكذا فمن اين له ان( يسترزق) وتري عمال البناء يأتون اليك  يوم ثم يفوتون عشرة ايام ليبدأوا اعمال  عند عشرة اخرين حتي لا تفوتهم فرصة ونجد الطبيب لا يحافظ علي حياة مرضاه لان هذا واجبه ولكن ليجد من ينقذ جيبه عند الحاجة ونجد ملائكة الرحمة تحولوا الي ملائكة جحيم وغيرهم متناسين جميعهم ان الموت يأتي فجأة فلا يتمتعون بما جمعوه في الدنيا ولا يشفع لهم في الاخرة بل قد يكون سببا في هلاكهم والحقيقة ان معظم من كنزوا المال و بنوا العمارت ماتو من دون ان يتمتعوا بالعيش فيها ولكن لا احد يتعظ . انشغل الكل بجمع المال من اجل سد حاجات انفسهم و اطفالهم – التي هي حاجات معظمها من صنعهم ليبرروا لانفسهم محاولة اشباعها- ولم يحاول السواد الاعظم منهم ان يعلم هؤلاء الاطفال الغرض من جمع المال ولا كيف يحسن استغلاله ليستفيد منه في الدنيا والاخرة وكانت النتيجة ان تشرب الابناء العادة فبدأوا يبحثون عن طرق لجمع المال فنجد الطفل قد يسرق من اهله او زميله ونجد اخر ترك التعليم ليتعلم مهنة يكسب منها المال لينفق علي الطعام والملبس وفاتورة المحمول والسجائر وما خفي كان اعظم . ابناء قريتي يسافرون للزراعة في المناطق الصحراوية  في الوادي الجديد وابي سمبل واسوان وغيرها كانوا يزرعون شتاءا ويقضون شهور الصيف مع ابناءهم ولكن طعم المال اغراهم فاصبحوا يزرعون طوال العام ليسدوا حاجات ابنائهم المتزايدة علي حد قولهم واصبح الطفل لا يري والده الا في الاعياد وقد لا يراه فيها ايضا واصبحت تربية الابناء علي عاتق الام المنشغلة بالاعمال المنزلية هذا ان لم تكن مرأة عاملة ويصبح الشارع هو مأوي الطفل طوال اليوم ولا يعود الا للنوم أو لتناول الطعام الذي كثيرا ما يتناوله خارج البيت علي صورة وجبات سريعة يشتريها من مصروفه  وهكذا تضيع الفرصة الوحيدة التي قد تجتمع فيها الاسرة واصبح دور الاب من وجهة نظره التمويل فقط فيأتي الاب يومين ليستريح من عناء العمل فيفاجئ بأن ابناءه فاشلين دراسيا ومنحرفين اخلاقيا فيبدأ في لوم الزوجة التي لا تؤدي دورها في تربية ابنائه متجاهلة العناء الذي يبذله هو في سد احتياجاتهم التي لا تنقطع واذا كانت الزوجة حكيمة قليلا وحاولت تعليم ابنائها بعض الاخلاقيات يأتي الزوج ليهدم ما بنته بحجة انه لا يأتي الا ( يومين ومش عاوز يزعل فيهم العيال فيسيبهم يدلعوا شوية )  اصبح دور الاب والام تجاه الطفل هو اشباع حاجات الجسد ونسوا او تناسوا ان الانسان جسد و روح وان ارادوا ان ينشأ ابناءهم بطريقة سليمة  فعليهم ان يهتموا بالجانبين معا. لم يفكر احدهم ان  تربية الابناء – وخاصة في جانب الروح - هي عملية مشتركة بينهم .  اصبحت الام في نظر الطفل خادمة تنظف البيت وتغسل الملابس و تطهو الطعام واصبح الاب هو البنك الذي يقترض منه دون فوائد و رد هذا القرض وهذه الخدمة يكون مؤجل الي ان يصير شابا يرده في صورة رعاية لهم في الكبر  وحينها قد لا يستطيع الوالدين استرداد القرض لانهما لم يأخدا ضمان وهو التربية الاخلاقية والروحية التي لم يغرساها في ابنائهما .
ونجد انفسنا نحن المعلمون نعلم اطفالا يأتون الي المدرسة كنوع من العقاب الذي فرضه الاهل عليهم وبإغراء من المصروف الكبير الذي يأخذونه من والديهم اللذان اعتقدوا ان المال وحده سيعلم ابناءهم .لم يراعوا ان هناك اطفال يتلقون مصروفا لا يذكرأو لا يتلقون مصروفا . واذكر اختي وهي تحدثني ان ابنة شقيقة زوجها التي تشتكي لوالدتها قلة مصروفها الذي لا يتعدي النصف جنيه في حين ان زميلاتها يأخذن خمسة جنيهات او اكثر هذا غير ما يأخذونه بعد المدرسة واتذكر عندما كنا صغارا وكان ابي يحضر الفاكهة وتطلب منا امي الا نأكلها في الخارج مراعاة للاخرين الذين لا يستطعون شرائها . ونصبح في حيرة من امرنا فنحن واجبنا ان نساعد الطفل علي مواجهة الحياة الواقعية و التي اصبحت بحث عن الماديات فقط فهل نغرس فيهم القيم المادية التي سيواجهونها في الحياة الحقيقية ام نغرس فيهم القيم الانسانية التي انقرضت فيخرجون للواقع ويصدمون بما يرونه من تناقض بين ما تعلموه وما يواجهونه فينبذون ما تعلموه وراء ظهورهم وينغمسوا في الواقع المرير ويضيع مجهودنا هباء  ام نحاول ان نكون متفائلين و نقوم بواجبنا المقدس من التربية الصحيحة المتكاملةعلي امل ان نصنع منهم نواة لاصلاح المجتمع ليصبح في المستقبل ليس فقط جسد ولكن ايضا روح افتقدها هذا الحاضر.
ولكن من الانصاف ان اقول انه هناك اقلية تجاهد وسط عالم الماديات هذا من اجل تنشئة ابنائها تنشئة متكاملة جسديا وروحيا واخلاقيا ولكن اخشي ان يضيع مجهود هذه الاقلية  فتبدأ تدريجيا في الانحدار الي عالم الماديات او الي عالم اليأس.






هناك 4 تعليقات:

  1. مقال روووووووووعه
    انا حاسس انى بقرا مقال لمحلل نفسى والأجمل ان هذا الكلام يصدر من معلمة أجيال
    كنا زمان بنتعلم حكمة " القناعه كنز لا يفنى " دلوقتى ممكن الطالب ميسمعهاش الا فى الإعدادى دا لو سمعها
    الاشخاص الى كانوا بيراعو الأخلاق قديما تركوها واصبحوا يبحثون عن الاموال
    وبداية البحث عن المال ظهرت مع كثرة المال فى ايدى الجياع ممن ذهبوا الى الدول العربية ولم يكن فى حلمه ان يكون معه ربع ما معه فعاد ووضع قاعدة ان المال هو السيد فى حين ان البعض ممن ذهبوا لتلك الدول راعوا أن المال رزق يجب ان يصرف فى محله .
    وغير كثرة المال فى ايدى هؤلاء فأصبح ضيق الحال لمعظم الأشخاص خصوصا مع السرقة المتكرره من حكام البلد وبالذات اللامبارك جعل هناك حقد طبقى فأصبح الفقير يسعى لان يصبح اغنى من الغنى لانه وجد أن الأموال تعطيه قيمه فى مجتمعه .
    وبالنسبه للبنت الى بتشتكى ان مصروفها 50 قرش طبعا دا اضعاف مضاعفه لمصروف زمان وإن كانت متضره من ذلك الأن فستكون فى يوم من الأيام مقدره لما فى يديها وربنا يبارك فيها.
    وبعد ذلك الإهتمام بالروح الى مفروض اننا بنغذى الروح بالطاعات والقناعه من ضمن تلك الطاعات فلو كنا اغنياء نخرج حق الله فى اموالنا لمن يستحق فبذلك نحافظ على قلبه من ان يتحول للحقد أو الحسد أو غيره ان كان ايمانه ضعيف وإن كان فقيرا فيتمنى كثرة الخير للغنى كما يتمناه لنفسه هذه هى القناعه برزق الله
    أعتذر كثيرا عن الاطالة
    ولكن المقال عجبنى جدا جدا جدا جدا
    تحياتى

    ردحذف
    الردود
    1. انا سعيدة ان المقال نال اعجابك
      وعجبتني اشارتك للسفر الي الدول العربية لان الظاهرة دي بقت منتشرة بصورة سيئة
      انا كمان شايفة ان المادية هي السبب في الوضع الحالي للبلد و ان الحل مش بتغير الرئيس و الحكومة فطالما الناس مبتتغبرش فالحال سيبقي علي ما هوعليه حتي يدرك الناس ان التغيير الذي تحتاجه البلد لتنصلح احوالها هو تغيير ما في النفوس وليس تغيير الحكومة والرئيس

      حذف
    2. أنا الى سعيد جدا بجولتك فى مدونتى والى زادتها نور وأتمنى إنها تكون عجبت حضرتك
      واسف لو تعبتى من القراءة بسبب طول الموضوعات
      تحياتى أختى العزيزه وأتمنى ان تنال كتاباتى اعجابك

      حذف
    3. جولتي في مدونتك اخي العزيز كانت جولة ممتعة تشبه اسفار الرحالة حول العالم لتنوع موضوعاتها وبالاضافة الي انها كانت ممتعة كانت مفيدة

      حذف